السبت، 25 يونيو 2011

من تظنين نفسك

إليكم ما حدث.
أنهيت كتابة التدوينة الأولى الأمس، ونشرتها، ثم أرسلت رسائل لعدد من الأصدقاء أبشرهم أني أخيرا قمت فعلا بعمل مدونة ونشرت أول رسالة من خلالها. قضيت مساء ذلك اليوم وأنا متحمسة أقرأ المدونة وأعيد قراءتها، وأهنئ نفسي على هذا العمل.
اليوم صباحا، جلست لكتابة المدونة الثانية، متابعة لموضوع "الوسط"، عندما سمعت صوتا يصرخ في أذني:
"تنشرين مدونات؟ من أنتِ؟ ألا تعرفين أن الجميع لديهم خبرات أفضل منك؟ هل تريدين النجاح؟ ألا تعرفين أن مثل هذا الأمر يحتاج إلى سنوات وسنوات كي تري نتائجه؟ ألا تعرفين كم الإنترنت خطير؟ ألا تعرفين أن هناك الكثيرون سينقضون عليك انتقادا، أنتِ لا تحتملين الانتقاد؟ هل تذكرين؟ كيف ستتعاملين معهم؟ ألا تعرفين أنك قد تثيرين غضب العائلة إذا عرفوا أنك تنشرين مدونة، بل أفظع تفصحين عن اسمك؟ هل تعرفين كم من الوقت سيأخذ هذا منك؟ ألا تظنين أن بيتك وعائلتك أولى بهذا الوقت؟ من تظنين نفسك؟"
بدأ ألق التأليف يخبو.
أخذت نفسا عميقا.
ابتسمت. وباشرت الكتابة متجاهلة ما سمعت.
لقد صدرت هذه العبارات عني أنا، وتحديدا هذا الصوت هو الذي أسمعه في رأسي دوما، وحقيقة أريد لومه على تأخير مباشرة التدوين أشهرا طويلة.
أتسمع مثل هذا الصوت؟
هو صوت يتظاهر أنه منطقي، وعاقل، ويريد أن يوعك إلى نتائج أفعالك التي لم تقم بها. لا أقصد ذلك الصوت الذي يحذرك من القفز في المياه قبل تعلم السباحة، فهذا صوت العقل الواعي الذي يحميك من التصرف بتهور. إن ما أقصده هو الصوت الذي يخوفك من القفز في الماء بعد أن تعلمت السباحة وتدربت عليها طويلا. هو صوت الخوف من المجهول الذي ينطلق حالما تباشر عمل شيء تريده؛ شيء وودت القيام به منذ سنوات؛ أمر أنت من السباقين إليه. هو صوت يحذرك من المضي في الدرب غير المطروق ، ليجادلك "بالمنطق" أن لا تقوم بالقفزة إلى حيث لم تألف.
"من تظن نفسك أنت؟"
بمجرد أن تسمع هذه الكلمات وأشباهها، يبدأ الشك بالتهامك خلية خلية. تبدأ بالتساؤل: "هل حقا أنا أستطيع؟ نعم عندي خبرات مختلفة، ولكن ليس مميزة إلى هذه الدرجة. ربما علي التريث قليلا، وإجراء المزيد من الأبحاث، وقراءة المزيد من نصائح الخبراء حول [ضع مجالك هنا] لأتعلم منهم، صحيح قضيت سنوات في القراءة والتجارب، ولكن بعض الوقت لن يضرني. ربما....."
مع كل كلمة، تأخذ شعلة النشاط الداخلي تخبو، وتمر السنين إلى أن تنطفئ تماما.
بعدها تصبح الحياة دلعة، بلا طعم. وتظل تفكر "ماذا لو؟" إلى آخر عمرك.
وكنت تظن أن المحيطين بك هم أسوء أعداء نجاحك. حقيقةً، الواحد منا هو ألد أعدائه، بصدق وبنتائج باهرة.
إذن ماذا تفعل عندما تسمع هذا الصوت؟
قلت سابقا أني أريد لوم هذا الصوت على تأخير بدء التدوين (وأشياء أخرى كثيرة لا أود ذكرها هنا). ولكني أعرف الآن أن هناك دائما اختيار متاح أمامي.
أنت أمامك الخيار دائما.
إما أن تختار الاستماع إلى الصوت الذي يغلف حججه بالمنطق فتجد نفسك بعد مشوار طويل من التعلم والقراءة والتدريب عالقا في حالة الوسط فتهدم بيديك إرادتك وتصميمك وأحلامك، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا!
أو، تتجاهل الصوت.
وتقفز.
وتختار أن تمضي في الدرب الذي اخترته دون النظر إلى الخلف، وأنت على ثقة أن فيك كل ما يلزم للنجاح، وأنك كالسندباد، تجد كل ما ينقصك على الطريق، وأنك قادر على تعلم المهارات التي تمكنك من تحقيق ما تشاء.
هل تمكنت من تمييز هذا الصوت؟
تذكر، هو يغلف نفسه برداء المنطق، ولكن هذا الصوت في الحقيقة هو صوت الخوف الكامن في داخلك. الخوف من التغيير، ربما؟ الخوف من الجديد؟ الخوف من الانتقاد؟
ممَ تخاف؟ هل سألت نفسك هذا السؤال؟
أمسك ورقة، واسطر جدولا. في العامود الأول منه اكتب كل أمر تخافه، صفه بكلمة واحدة.
في العامود الثاني اكتب كيف أن تحقق هذه المخاوف سيدمر حياتك.
كن صريحا.
بعدها خذ وقتك في النظر إلى الجدول وقراءته مرارا. كيف تشعر مع كل قراءة. لا تقاوم الشعور دعه يسري فيك. هل بدأ يتبدد؟ هل مخاوفك منطقية؟ هل هي واقعية؟
إذا عرفت نوع الخوف في داخلك، أصبح تمييز صوته أكثر سهولة. عندها ستتمكن من انتقاء الاختيارات التي تقربك أكثر من أهدافك. وستتمكن من إبقاء جذوة النشاط داخلك طويلا.
تذكر أن أغلب ما نخاف منه طوال حياتنا نادرا ما يتحقق.
هل مررت بتجربة أقعدك الخوف فيها عن أداء أمر ما تحبه أو تريده؟
إذا رغبت في الحديث عنها، اترك تعليقا.

ليست هناك تعليقات: