الأربعاء، 13 يوليو 2011

الهزيمة في أرض معركة الفكر

"إذا كنت تعرف العدو وتعرف نفسك - فلا حاجة بك للخوف من نتائج مئة معركة.
إذا عرفت نفسك لا العدو، فكل نصر تحرزه يقابله هزيمة تلقاها.
إذا كنت لا تعرف نفسك  أو العدو - ستنهزم في كل معركة." سان تزو - فن الحرب (ترجمة رؤوف شبايك).

لقد باد عصر الجيوش المجيشة التي كان يقودها سان تزو وخالد بن الوليد، وحل مكانها آلة الحرب المتوحشة بالأسلحة المحوسبة دقيقة الإصابات. لهذا لا تبدو نصائح من مخطوطة عمرها أكثر من ألفي عام صالحة للتطبيق في أرض المعركة.

ولكنها بالتأكيد صالحة لمواجهة صديقك اللدود الأول: فكرك.
أوَ تعرف، إن هذا الفكر هو ما يأخذك بعيدا عن التركيز في مسألة واحدة. هو الشريط الذي يبدأ بالعمل بمجرد أن تباشر مشروعا ما. لنفترض أنك بدأت بعمل بسيط جدا، مثل المشي. عندها يبدأ فكرك بلفت نظرك إلى تلك السيارة أو ذلك الفتى (أو الفتاة)، وبعدها يشير عليك بملاحظة الرصيف وربما نظافته أو عدمها، ثم يعلق على الشجر وأهمية إزالة الأغصان الزائدة كي لا يرتطم المشاة بها، ثم يلفت نظرك إلى ألوان منزل ما، وعندها تلاحظ أحدهم ينظر إليك، فيَنْقُل انتباهك إلى مشيتك، وثيابك، وتحاول أن تتأكد أن لا شيء عالق في شعرك أو ملابسك. بعدها يخطر ببالك العمل، والمشروع الذي تعمل عليه، وطموحك الذي ما زلت تسعى إلى تحقيقه. ثم يبدأ فكرك بعرض شريط العمر من ماضي ومستقبل. وما أن تنتبه إلى الوقت، تكون قد أنهيت مشوارك وأنت لم تلاحظ. وللمعلومة فالجسم لم يسجل تلك الرحلة.

هل لاحظت أنك عندما تنجح  في التركيز على المشي لا أحاديث الفكر تكون قد عرقت أكثر وتشعر بالإرهاق أكثر. أما عندما تسبح في أفكارك فطاقتك تتجه إلى دماغك، ولهذا تشعر بالإهاق فكريا فقط.

هل ميزت هذا الصوت؟

إن معركتك الحقيقية هي مع فكرك، وهي المعركة التي عليك خوضها يوميا.  هو ذلك العدو الذي عليك أن تبدأ بمعرفته. فإذا عرفته تكون قد ربحت نصف المعركة.


راقب أفكارك حالما تنشأ.

هل حدث أن كنت تتبادل الحديث مع صديق أو أخ أو زوج وكنت في مزاج، ثم فجأة تغير مزاجك (أو مزاج محدثك) دون سابق إنذار، بحيث يسألك: "مالذي حدث؟" فتجيب "لا أعرف!" وتحاول عبثا أن تجد الإجابة على السؤال؟

إن ما حدث هو عدو تسلل إلى حصن عقلك وحرك شعورا أو فكرة قديمة عندك أدت إلى تحفيز رد الفعل الغريب ذاك.

ذلك العدو هو الفكر الذي يدور في خلفية عقلك دون أن تتنبه له.

وهو تحديدا بحسب الدراسات التي أجريت على الدماغ الفص الأيسر من الدماغ، وهو الجزء المسؤول عن اللغة والمنطق. وهو قسم الدماغ الذي غالبا ما يحاول أن يثبطك عن القيام بأي عمل أو نشاط جديد، فيبدأ بلفت نظرك إلى كل ما هو مألوف، موهما إياك أن كل ما هو جديد خطير.

الآن وقد عرفنا العدو، ما علاجه؟

هناك عدة طرق نستطيع من خلالها اكتشاف صوت الفكر وبالتالي تمييزه واستبعاده عند الحاجة، أكثرها فعالية بالنسبة لي هي:

- التأمل: هناك العديد من تقنيات التأمل، أسهلها الجلوس في الطبيعة وإغماض العينين، وتركيز الانتباه على حاسة السمع فقط، أو التنفس فقط، بحيث كلما طرأت فكرة جديدة، أعدت وعيك إلى حالة التأمل.

- صفحات الصباح: لدى الاستيقاظ، باشر كتابة ثلاث صفحات كاملة بكل ما يخطر ببالك من أفكار. وبحسب جوليا كامرون - روائية وقاصة من المدرسة القديمة كتبت أكثر من 30 كتابا نشرت ورقيا- فإن هذه الطريقة هي الأكثر فعالية في تفريغ الفكر وإطلاق الإبداع الكامن فيك. شخصيا أجد هذه الطريقة ممتازة، فإضافة إلى إرجاع صفاء الذهن، فأنت - بعد حين- ستبدأ بملاحظة الأفكار التي تسيطر على فكرك، وتسمم مزاجك وشعورك.

أما الانتصار في النصف الثاني من المعركة فيأتي من معرفتك بنفسك. 

اسمح لي أن أسألك، هل تعرف نفسك؟ هل تعرف مداخلها؟ هل تعرف نقاط الضعف التي هي ثغرات في حصنك؟

وصلنا إلى الجزء المفضل لي. حديث TED  الحميم مع عالمة الدماغ جيل بولتي تيلور لدى حديثها عن السكتة الدماغية التي أصابتها وأقعدتها عن العمل سنوات طويلة، قامت خلالها بملاحظة التغيرات التي طرأت على وظائفها العقلية والجسدية ومن ثم إعادة تعلم إدارة أمور حياتها اليومية، وتوضح في الوقت ذاته دور الدماغ الأيمن في مقابل الدماغ الأيسر، وحجم الإنسان الحقيقي الذي يتجاوز حدود جسده المادي.
  

ملاحظة: الفيديو مترجم إلى العربية تستطيع اختيار الترجمة من (subtitles) بالذهاب إلى الرابط التالي: 


عليك أن تفتش عن ذاتك الحقيقية، فما أنت الآن إلا خليطٌ تكوّن نتيجة تأثير العائلة، والمدرسة، والإعلام، والأقران، وتوقعات أصحاب العمل (تذكر البرمجة اللغوية العصبية)، بحيث عليك أن تفتش تحت كل هذه الطبقات إلى أن تصل إلى مركزك.

كيف تميز ما هو أصيل فيك مما هو أساسا برنامج وضعه غيرك؟
من خلال التأمل وصفحات الصباح، سترى أبعد من الأفكار التي تسيطر عليك نتيجة برمجة العالم المحيط بك. ستصل إلى الصفاء -الذهن والروح- الذي سيمكنك من معرفة من أنت في صميمك.

وهذا أمر يحتاج إلى شجاعة لتحقيقه. والشجاعة تكمن في أن تعرف أنك لست شهادتك أو عملك أو منزلك أو سيارتك أو ساعتك أو ثيابك أو مجوهراتك أو عائلتك أو غيرها من الأشياء المادية التي تُعَرِّف نفسك بها ويعرِّفك المجتمع من خلالها.

هل أنت شجاع بما يكفي لتصل إلى هذه النقطة من أرض المعركة؟ أم تكتفي بالخنادق والحصون، لتراقب حياتك عن بعد حسبما برمجك مجتمعك عليه دون الحاجة إلى خوض معركة حقيقية مع نفسك؟ هل ستحتفظ بحصان طروادة في حصنك؟

هذه هي المعركة الحقيقية اليوم، والتي سماها أجدادنا "جهاد النفس" واعتبروه الجهاد الأكبر!

الآن وقد بدأت بتمييز أفكارك، تحتاج أن تبدأ عملية الغربلة، لتفصل صالحها عن طالحها، وهي ما سماه العلماء "تزكية النفس"، فتجد الأفكار الهدامة المسؤولة عن إبقائك في حال لا يسرك - على مختلف المستويات- وتنتبه إلى الأفكار التي تدعم تحقيق ما تشاء من طموح، فتغذيها وتعتني بها.

الدماغ هو الأرض الخصبة حيث تزرع البذور، والبذور هي الأفكار التي تنبت في هذه الأرض.

ليست هناك تعليقات: