الأحد، 31 يوليو 2011

خمس دروس في القيادة وتكوين الفرق الفاشلة

في الأسبوع الماضي حضرت ورشة عمل تدريبية عن كتابة مقترحات المشاريع الناجحة، قدمها المدرب إيهاب الذيب، وهو خبير عربي من الأردن تخصص في رفع سوية العمل الخيري في الأردن وعبر العالم العربي، وهو مؤسس برنامج تحدي البقاء والاستمرارية للمنظمـات غير الربحية والذي من خلاله يسعى إلى رفع البناء للعمل التطوعي المؤسسي وهو خطوة رائدة تتيــح لكل من له قلب رحيم ويريد تغيير المجتمعــات فردا كان أو منظمة الحصول على تصور متكامل وشامل حول كيفيــة تحديد نموذجه الخاص في التغيير ليكون الأكثر فعالية وواقعية وإبداعا في إحداث التغيير المنشود.

حضر الورشة عدد من العاملين في مجال المنظمات غير الحكومية، وفي الواقع كان العدد لا يتجاوز 15 شخصا، تعلمنا معا أفضل الممارسات والطرق المتعبة لدى كتابة مقترحات المشاريع للحصول على تمويل من مختلف الجهات المانحة. كجزء من التدريب طلب إلينا المدرب تقسيم أنفسنا إلى ثلاث مجموعات واختيار واحد من خمسة مواضيع للتدرب على كتابة مقترح مشروع وتقديمه إلى المدرب وأعضاء الفرق الأخرى، باعتبارهم ممولين محتملين، حيث ستقوم كل مجموعة بتقديم مقترحها "للممولين" والإجابة عن مختلف الأسئلة التي قد يطرحها الممول.

كنت في مجموعة مؤلفة من أربعة أفراد (ثلاث أناث)، وطلب المدرب من كل مجموعة اختيار الموضوع الذي ترغب في تطوير مقترح المشروع حوله. تركنا إيهاب لنبدأ العمل فورا.... وعلى صغر حجم المجموعة، برزت شخصية الدكتاتور في واحدة من المشاركات، وفورا أصبح التدريب - إضافة إلى كونه تدريبا على كتابة مقترحات المشاريع- فرصة لمشاهدة نشوء القيادة الدكتاتورية التي تلوم أفرادها على الفشل، وتعلم الدروس التي من شأنها تدمير روح الفريق في أي مرحلة من مراحل العمل:


الدرس الأول: اختر الموضوع بغض النظر عن آراء الآخرين
عرض المدرب خمس مواضيع على أن تختار كل من المجموعات الثلاث واحدا منها. بدأت مجموعتنا بالاختيار، فقامت واحدة من أفراد المجموعة (أشير إليها بـ"قائدة المجموعة") باختيار موضوع "المستشفى المتنقل لخدمة المناطق النائية"، وقامت من فورها بإبلاغ المدرب باختيار مجموعتنا لهذا الوضوع.
لم يكن أي منا لديه اطلاع أو صلة بما يتعلق بالخدمات الطبية أو العلاجية، وبالتالي نشأت لدينا صعوبة تجميع المعلومات أو حتى اختراعها حول هذا الموضوع ضمن الإطار الزمني الذي حدده المدرب.


الدرس الثاني: ابدأ العمل دون تقسيم الأدوار
مباشرة، بدأت "قائدة المجموعة" بصياغة محتويات مقترح المشروع بالتشاور والتعاون مع المشارك الذكر الوحيد في مجموعة المستشفى المتنقل، اقترحت أن نقوم بتقسيم الأدوار، بحيث يتناول كل منا جزءا من أقسام مقترح المشروع حسبما وضحه المدرب. لكنها تجاهلت الفكرة تماما، وطلبت ان نعمل جميعا على القسم ذاته معا. حاولت جمع بعض المعلومات المتعلقة بالجهة المانحة التي ننوي مخاطبتها كجزء من التمرين، لإعطاء التمرين صبغة واقعية. إلا أنها قررت أنها خطوة لا داعي لها.
عندها بدأ حماسي للمشاركة يخف بعض الشيء.


الدرس الثالث: تجاهل اقتراحات الآخرين أو جهودهم لإنجاح العمل
وصلنا (أو بالأحرى وصلت قائدة المجموعة) إلى القسم المتعلق بضمان استدامة المشروع. وهو الجزء الذي نعرض فيه كمؤسسة ترغب في الحصول على تمويل لمشروع معين خطتها كي تضمن استمرار المشروع بعد انتهاء التمويل. قدمت اقتراحا حول هذا الموضوع. وبعد دقيقة من توقفي عن الكلام، نظرت إلي متسائلة "إذن كيف نضمن الاستدامة للمشروع؟"
لم تستمع إلى كلمة واحدة مما قلته. "ليس عندي فكرة عن هذا الموضوع!"


الدرس الرابع: خذ الإطراء بجدية
لست أدري كيف ترى موضوع الإطراء من شركائك في الفريق. فالإطراء قد يكون أداة نافعة تدفع إلى العمل الجاد، ولكنها في هذه التجربة، كان سببا في صب الغضب على أعضاء الفريق من غير أصحاب الإطراء. فـ"قائدة الفريق" تلقت إطراءً من المشارك ضمن الفريق: "هل ظهرت على التلفاز مؤخرا؟ أظن أني رأيتك على التلفاز. ألم تكوني أنت؟"
النتيجة؟ مذهلة.
الرجل تحول إلى شخصية ظريفة، ولم ينل غضبا (على عكس ما نلته أنا والزميلة الأخرى) نتيجة عدم المسارعة لإنقاذ "قائدة الفريق" أثناء انتقاد "المانحين" للمقترح المشروع الذي كتبته\قدمته بنفسها!


الدرس الخامس: عند الفشل، ألقِ باللائمة على الجميع (ما عدا أنت ومن أطرى عليك)
لقد كتبت قائدة الفريق وقدمت مقترح المشروع بنفسها، ونال المشروع من النقد ما ناله، ولم يوافق المانحون على إعطاء المنحة. بالطبع اعتبرت قائدة المجموعة النقد موجه لشخصها، ولكنها في الوقت ذاته لامتني على عدم التدخل والمسارعة إلى إنقاذ المشروع. في الواقع تعمدت ذلك، فأنا لا أستطيع الحديث حول ما لا أعرف، وما لم أشارك فيه. ولكني لاحظت أنها لم توجه لومها إلى الظريف.
السبب؟ الإطراء طبعا.
حاولت توضيح فكرة أنها أخذت النقد على محمل شخصي، لكنها أخذت شخصها وغادرت إلى الطاولة المقابلة خلال الجلسة التالية!! وهذا الأمر متوقع، فعندما تكون أنت الوحيد الذي يقوم بالعمل، وتقصي الآخرين، ستعتبر كل نقد موجه إليك شخصيا!


الآن، وبعد هذه التجربة، أرى أن القيادي الناجح فعلا هو من يتيح المجال لكافة أفراد فريقه الإدلاء بآرائهم، والمشاركة في صياغة وصناعة العمل، فبدون ضم كافة أفراد الفريق في صياغة العمل، لن يبذلوا جهدهم في تنفيذه، ولن يبالوا عند نجاحه أو لدى فشله.


والأهم من هذا، لقد تعلمت أن السلبية في مواجهة مثل هذه "الدكتاتورية المصغرة" في صناعة القرار وتنفيذ العمل، تعطي هؤلاء الدكتاتوريين فرصة تدمير العمل وروح الفريق. إذ تعلمت أنه كان عليّ مواجهة القيادة الدكتاتورية لحظة نشوئها، والإصرار على استقطاب جهود الجميع من أجل نجاح المشروع. فهو عمل جماعي في نهاية الأمر، ولا يتم إن لم يجعل الجميع صوته مسموعا، رغبت القيادة غير الحكيمة في ذلك أم لم ترد.

ليست هناك تعليقات: