الأربعاء، 24 أغسطس 2011

من الناس، إلى الناس، من أجل الناس

السهرة جميلة، والرفقة ممتعة، والحديث المرح دائر، والمطعم أنيق على الطراز الإيطالي، جلسته الخارجية لطيفة، وطعامه من البوفيه المفتوح شهي. هذا هو المشهد الذي كنت فيه ليلة أمس في جلسة إفطار مع المؤسسة التي أعمل فيها.

هل هذه المكونات كفيلة بإعادة الزيارة إلى ذات المطعم؟؟

ليس تماما. ولكنها كانت سببا في اتخاذ قرار جماعي (من قبلنا نحن العاملين في المؤسسة) من أجل تكرار مثل هذه الجلسة في المستقبل.

التفاعل بين الناس. هذه هي كلمة السر من أجل إنجاح أي مشروع أو أي منتج أو أي مدونة أو أي شيء آخر.


بدون التفاعل بين مقدم الخدمة\ المُنتِج \ المدون\ صاحب المؤسسة بصرف النظر عن نوعها، من ناحية ، والمستخدمين\ المستهلكين\ القراء\ الزبائن من ناحية أخرى، تنفقد قيمة بشرية حقيقية هي في صميم إنسانيتنا.

التواصل والتفاعل مع الآخرين.

بالنسبة للمطعم المذكور، لقد أمن لمجموعة كبيرة من الناس وجبات رائعة وجلسة جميلة، أسهمت في استرخاء الجميع (مجموعتنا). ولكني شخصيا استأت عندما عرفت أن العائلة الجالسة إلى الطاولة المجاورة لطاولتنا كانت تتضمن مالك المطعم!

لماذا استأت؟

لأن الرجل لم يتقدم من زبائنه لتفقد أحوالهم واستمتاعهم بأجواء مطعم كلفه مئات الآلاف من الدنانير. ولأني أريد من أي مؤسسة أتعامل معها تواصلا إنسانيا حقيقيا. لو يدرك المالك أن جزءا من نجاح مطعمه لا يعتمد فقط على جودة الطعام (وهذا الأمر متوفر في عشرات المطاعم في عمان)؟ إضافة إلى جودة المكان والطعام، أعتقد أن نجاح مطعم ما يعتمد على تفاعل القائمين عليه إنسانيا مع الزبائن، ولهذا تجد أن المحال الشعبية مرغوبة بسبب الجو العفوي الإنساني الموجود فيها.

وهذا التفاعل كان مفقودا في ذلك المكان.

الندل كانوا مهذبين، وتحركوا بسرعة، ولكنهم كانوا رسميين، وغير منتبهين. لعله رمضان، ولعله الجو المطلوب في هذا المكان.

ولعله أنا شخصيا.

مؤخرا أصبحت أرى قيمة منتج ما في جودة الاتصال الإنساني الذي يتم أثناء الشراء أو تلقي الخدمة أو غير ذلك.

في اختياري لشراء مستلزمات المنزل، أفضل الشراء من السوبرماركت متوسط الحجم عوضا عن المحال الكبرى لهذا السبب تحديدا، فالبائع أصبح يعرفني ويعرف اختياراتي، ويلفت نظري إلى منتجات قد تهمني. أعرف أنه يريد أن يسوق ما لديه، ولكن اللمسة الإنسانية في معرفة ما يريده الزبون تعجبني.

في عصر زادت فيه المنتجات إلى حد غير مسبوق بحيث أني لم أعد أحتاج إلى مغادرة المنزل لشراء أي شيء من الأجهزة الكهربائية إلى الكتب إلى الطعام وغير ذلك، فكل ما يلزم هو مكالمة هاتفية، أو عمل order من خلال مواقع الشراء المتعددة، بل أني لم أعد مضطرة إلى أن أشتري أي شيء من البلد الذي أعيش فيه، فأنا أستطيع الحصول على أي شيء من مواقع مثل أمازون وإيباي، وغيرها. في مثل هذا العصر أجد نفسي أبحث عن التواصل الإنساني المفقود من كافة طرق الشراء هذه.

في عصر المتغيرات السريعة هذه، والمنتجات الموجودة بوفرة غير مسبوقة، المؤسسة\المطعم\ المدون\ المنتِج الذي لا يتيح فرصة التواصل الفعال مع مستهلكه لن ينجح، أو على الأقل لن يصل إلى مرحلة الاستدامة. وإن لم يستمع صاحب الخدمة أو المنتج إلى أصوات من يستخدمون منتجه، فقدهم.

انظر إلى التدوين، هناك مئات الآلاف من المدونات، القليل فقط منها الناجح. لماذا؟ أحد هذه الأسباب أعيدها إلى تمكن المدون من التواصل مع متابعي مدونته، وعدم البخل عليهم بأي معلومة في متناوله.

أعتقد أن ساعة المنتجات المفروضة علينا كمستهلكين قد أزفت (بما في ذلك الأنظمة؟).

اليوم، أعتقد أن المنتجات التي يتم تصميمها من قِبَل الناس، من أجل الناس، والتي يصغي منتجوها لمستهلكيها هي التي تنجح.

وأعتقد أن هذه المنتجات وإن كانت أعلى سعرا من أمثالها سوف تكون مرغوبة أكثر، فقط لأنها مصبوغة بقيمة إنسانية.

في موقع أمازون مثلا، يستطيع المستهلكون التعليق على أي منتج أو أي جهة توفر هذا المنتج، وهذا ليس بالأمر البسيط، فمن يوفر المنتجات يجب أن يضع في حسبانه التغذية الراجعة من السوق مباشرة، وهذا أمر قد يكون موجعا.

الفيديو التالي من مؤتمر تيد، يتحدث عن البساطة وأهميتها في جذب المستهلك لمنتج تم تصميمه بعناية من أجل تبسيط حياة المستهلك، وهو يعقد مقارنة مسلية بين طريقة مايكروسوف في تطوير منتجاتها في مقابل شركة آبل ماكنتوش، التي تراعي خطوات البساطة



إلى جانب التكنولوجيا، هناك الفن الذي يراعي أحوال الإنسان، فلا يتكبر عليه بحيث يصبح نخبويا. فالفن يجب أن يكون صالحا للجميع على اختلاف أذواقهم، كي يتفاعلوا معه.



والقاسم المشترك بين الاثنين، هو التركيز على العنصر البشري لدى تطوير منتج، تقني أو فني،  أو حتى مدونة...

السؤال الذي أطرحه اليوم على نفسي هو: هل أقبل أن أدفع نقودا مقابل منتج أو خدمة فقط؟

إجابتي هي لا.

أنا أريد منتجات وخدمات لها قيمة ورسالة وغاية، تتجاوز النقود التي أدفعها لقاء المنتج.

 أريد منتجات قادرة على التفاعل الإنساني ليس معي كدافع لقيمة الخدمة أو المنتج فحسب. أريد منتجا قادرا على توفير هذه القيمة للمجتمع ككل. وأريده أن يبين لي كيف يدعم منتجه فكرة ما.

في الأردن على سبيل المثال، يقوم قطاع الاتصالات بدور فعال في دعم عدد من القضايا المتعلقة بالصحة والتعليم والرياضة وغيرها.

هناك مطاعم كثيرة تدعم أعمالا خيرية مثل دعم الأيتام أو علاج المرضى.

هناك مؤسسات تجارية تخصص جزءا من ريعها لدعم تدريب الشباب، أو تقليص الفجوة الرقمية بين الفقراء والأغنياء، وتعليم الفتيات، وتوفير الطعام للفقراء، وغيرها الكثير من القضايا التي تجعل مجتمعاتها تنبض بروح الحياة والتكافل والتعاون. وهي ليست مؤسسات خيرية فقط، بل تحالفات بين الخاص والخيري.

ولكن ماذا عن الأعمال المتوسطة إلى الصغيرة، ماذا تدعم مئات المتاجر الموجودة في المجمعات التجارية؟

كيف تسهم هذه في جعل منتجاتها "من الناس إلى الناس من أجل الناس"

هل ترى هذه الفكرة تنطبق على ما تفعل؟  وإن لم تكن كذلك، هل تستطيع التفكير بإضفاء هذه القيمة على ما تصنع؟ اسأل نفسك التالي: لماذا أعمل هذا العمل؟؟ كيف سيفيد هذا العمل الآخرين؟ وماذا سأفعل بالمال الذي يأتي منه كي آخدم الآخرين من خلاله؟

هناك تعليقان (2):

المبرمج المسلم يقول...

بالتأكيد الإنسان بطبعه مخلوق اجتماعي ذو احساس راقي , اذكر كان هناك بقال قريب منا على الرغم من اسعاره المرتفعه الا انه يستقبل الجميع بابتسامه وكنا نجد اخر نكته عنده!! وماشاء الله بيع قوي عنده والخضروات تنفذ يوميا , اعتقد المثل الصيني يقول (اذا كنت لاتستطيع التبسم فلا تفتح دكانا) لا احفظه بالضبط! دمتم بخير وبالتوفيق يارب.

Remo يقول...

أشكرك على المدونة الرائعة والفيديو، وفعلاً قضينا وقتاً ممكتعاً